روائع مختارة | واحة الأسرة | صحة الأسرة | دعوني أربيه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > واحة الأسرة > صحة الأسرة > دعوني أربيه


  دعوني أربيه
     عدد مرات المشاهدة: 3632        عدد مرات الإرسال: 0

تعاني كثير من الأمهات في بداية توليهن شؤون التربية أزمة تدخل الأقارب بخبراتهم القاصرة أو الخاطئة في تربية أولادهن، ويسعون بقوة القرابة أو سلطة الأبوة لفرض آرائهم في تربية الأولاد، مما يعيق الأم الجديدة من أن تمارس مع أولادها ما تبنته من آراء ومفاهيم تربوية، مبنية على علم ومعرفة صحيحة، وهذا من شأنه إضعاف العلاقة الحميمة بين الأم وأولادها، مما قد يؤدي إلى نفرة الأولاد من أمهاتهم، وبالتالي إلى إستقلالهم في المستقبل بآرائهم وتوجهاتهم، في وقت هم أحوج ما يكونون إلى توجيه أمهاتهم، لاسيما بعد البلوغ.

وبناء على ما تقدم تثار أسئلة كثيرة لدى الأمهات الجديدات، بهدف حسن إختيار الوجهة التربوية الأفضل لتربية أولادهن تربية إسلامية صحيحة ضمن هذا الوضع الإجتماعي الصعب، وفي حوارانا مع د.عدنان حسن باحارث أستاذ التربية الإسلامية المشارك بجامعة أم القرى والمتخصص التربوي في شؤون الأسرة..نسلط الضوء على بعض هذه الأسئلة:

ـ كيف يمكن للأم أن تستقل بتربية أبنائها تربية صحيحة دون تدخلات الآخرين السلبية، مع مراعاتها -في الوقت نفسه- لمشاعرهم من أن تخدش بردها لآرائهم ؟

= من المستحيل أن يستقل الشخص بتربية أولاده دون تدخلات الآخرين، بصورة مباشر أو غير مباشرة، فالإنسان نتاج بيئته بكل ما تحويه من المتغيرات المتنوعة، فكل ما يحيط به في البيئة يؤثر فيه بقدر إرتباطه وإحتكاكه به، وليس دور المربي أن يكفّ المؤثرات السلبية عن أن تصل إلى الطفل، فهذا ليس بمقدور عليه في هذا الزمان الصعب، وإنما هو التخفيف منها قدر المستطاع، والقيام بواجب إزالة آثار هذه المؤثرات السلبية من نفس الطفل أولاً بأول، وعدم تركها تتراكم، بمعنى إستمرار المربي دون ملل في رد السلبيات السلوكية وتأييد الأخرى الإيجابية، من خلال إستخدام أساليب التربية المتنوعة: القدوة، الموعظة، القصة، والترغيب والترهيب ونحوها... والطفل الذي يعيش بالفعل تحت تأثير المربي الصالح: لا يقتنع بما يراه ويسمعه من الآخرين، لاسيما إذا لم يكونوا قدوات صالحة، فالطفل في سن التمييز يفرق بين الفئتين، ولا يفهم من هذا أنه لا يقع فيما يغلب إرادة الخير عنده، فيخالف في بعض الأحيان إختيارات المربي القدوة تحت تأثير المجتمع، ولكنه -في الغالب- لا يصنع ذلك عن قناعة كما يصنع الطفل المهمل، ولكن يصنع ذلك عن هوى غالب، لا يلبث طويلاً حتى يعود إلى المبادئ التي تربى عليها.

وأما مراعاة مشاعر الآخرين حينما يقعون في مسالك غير تربوية، فيؤثرون بها في أولاد الأمهات الصالحات، فإن الأم اللبقة تستطيع أن ترد الخطأ بلطف عن طفلها بما بنته في السابق في نفسه من المفاهيم التربوية الصالحة، والمعاني الطيبة، وغالباً ما يردها الطفل بنفسه، وربما أحياناً بطريقة فجة، إضافة إلى جلسات المحاسبة الرقيقة التي تعقدها الأم مع أولادها بعد كل إختلاط ونشاط إجتماعي، تزيل عنهم ما وقع في نفوسهم من المفاهيم والسلوكيات الخاطئة، وتؤكد على ما بثته فيهم من قبل من المبادئ الصالحة.

تحاول الأم أن توجه أبناءها بعيداً عن أعين الناس، ولكن كثيراً ما يقع الطفل في أخطاء أمام الآخرين، فكيف لها أن تعالج كل هذه الأخطاء حين تخلو بطفلها، لاسيما وأن الطفل ينسى سريعاً ما إرتكبه من أخطاء، فهل الأفضل أن يعاقب مباشرة أو يؤجل أو يسامح؟

الإعتقاد بأن الأم لا توجه أبناءها مطلقاً إلا في حال الخلوة بهم: إعتقاد لا يصح بصورة دائمة، فإن تأخير البيان عن وقت الحاجة خطأ تربوي، فقد ينتفع بتوجيهها غيرها من الأمهات، كما أن تحويل زيارات الأم وأولادها للأقارب والأصدقاء إلى محاضرات توجيهية هو أيضاً أمر غير مقبول إجتماعياً، فما أمكن تأخيره من التوجيهات أُخر، وما إحتاج إلى تقديم قُدم، كما أن التغافل عن بعض أخطاء الطفل غير المستنكرة في الأجواء العامة المثيرة أمر مقبول تربوياً، وكثيراً ما تكون نظرات الأم المربية إلى طفلها حين يخطئ كافية في تنبيهه إلى خطئه، ولا يصح من الأم المربية أن تغض الطرف عن أخطاء الطفل القبيحة، إذ لابد من تنبيه الطفل عليها، والأفضل في وقتها، أما العقوبة فيمكن أن تؤجل، كما يمكن أن يسامح الطفل إذا إعتذر، ولكن كل ذلك بعد إقراره بخطئه، وتعريفه به .

ـ من الوجهة التربوية: هل المفروض أن يعاقب الطفل على كل خطأ صدر عنه أم أن في المسألة تفصيل؟

= من المهم تربوياً أن يعرف الطفل الخطأ الذي صدر منه في ضوء ما تعلمه في أسرته من المبادئ، ويفهم ذلك تماماً، أما إيقاع العقوبة عليه فهذا يرجع إلى إجتهاد الأم المربية، فقد يكبر الخطأ في نفس الطفل، ويشعر معه بالحياء، ويجتهد بعد ذلك في البعد عنه، فمثل هذا تكون العقوبة معه في غير محلها، إذ المقصود من العقوبة قد حصل بغيرها، فلا داعي لها حينئذ، وأما إذا وضعت الأم للطفل حدوداً ففهمها، وقررت على تجاوزها عقوبة معينة فعلمها، ثم تعمد الطفل تجاوزها: فالأفضل هنا إيقاع العقوبة المقدرة عليه، على أن يلاحظ أن العقوبات متنوعة ومتدرجة، والأطفال يختلفون في إستحقاقهم للعقوبات، والمقصود ألا تقع العقوبة أياً كانت إلا على طفل مستحق لها، عارف بها، يفهم معنى العقاب، وهذا لا يتحقق عادة بصورة كاملة إلا في سن التمييز وما بعدها.

ـ تقع الأم في حرج إجتماعي، وذلك حينما يتعدى طفلها على آخر بضرب أو أذى، فهي إن عاقبت طفلها أمام الآخرين جرحت مشاعره، ولو تركته مع قبيح سلوكه: وُسمت بالاستهتار بالآخرين، فتقع في صراع بين اجتهادين، فأيهما تختار؟

= لا يصح من الأم أن تترك ولدها -أياً كانت سنه- ليزعج الآخرين، صغاراً كانوا أو كباراً، أو أن يضر بهم، في أنفسهم أو ممتلكاتهم، فلابد أن تتخذ الوسائل الكفيلة بمنعه من ذلك، ولو أدى ذلك إلى عقوبته أمام الآخرين، ما دام أن التوجيه الرقيق لا يكفه، ومثل هذا السلوك المزعج لا يصدر عادة إلا من طفل لم ينل حظه الكافي من التهذيب التربوي، أو من طفل صغير السن لا يعي ما يفعل.

ومع الإقرار من الوجهة التربوية أن عقوبة الطفل في الخلوة أفضل، إلا أنه لا يصح الإعتقاد أن إيقاع العقوبة التربوية لا يكون مطلقاً إلا في حال الخلوة بالطفل، بعيداً عن أعين الآخرين، بل تصح أمامهم لمصلحة اجتماعية أو تربوية، إذ إن المسيء إذا لم يُعاقب تمادى، وجرأ غيره حين لم يراه يُعاقب.

ـ من الناحية التربوية: هل الأم ملامة بالدرجة الأولى حين يخطئ أولادها؟

= فرق بين الأم المربية الحريصة حين يخطئ أولادها، وبين الأم المفرطة، فالأولى مثابة معذورة حين أفرغت وسعها في تربية أولادها، ثم ظهر عليهم ما يظهر على سلوك كثير من الأولاد في هذا العصر من الأخطاء، وأما الثانية فملامة من الناحية الإجتماعية، ومسئولة من الناحية الشرعية على تقصيرها، ومع ذلك فإن المجتمع -في كثير من الأحيان- لا يرحم حين يرى أخطاء الأولاد، فقد يعذر الأم المقصرة، ويلوم الأم الحريصة، ولا يفرق بينهما.

ـ كيف يتسنى للأم أن تمنع أو تخفف من أخطاء أولادها أمام الآخرين؟

= لقد وصفت الشريعة الطبيعة الإنسانية بالخطأ، ولم تستثن من ذلك أحداً: «كل ابن آدم خطاء»، وهذا في حق المكلفين، فكيف بمن هم دون سن التكليف؟ ولهذا جاءت الشريعة المباركة بأن عمد الصبي خطأ، فلا إثم ولا قصاص ولا حدّ على صغير لم يبلغ الحلم، وهذا شامل لكل الذنوب والجنايات: صغيرها وكبيرها، وإنما في حق الصغير التعزير والتأديب حين يخطئ، وهذا الفهم من شأنه أن يوطن أنفسنا لتقبل أخطاء أولادنا، بإعتباره سلوكاً طبيعياً، يصعب عليهم السلامة الكاملة منه، وإنما المطلوب من الأم المربية هو التخفيف من أخطائهم، والسعي في علاجها قدر المستطاع، وهذا يمكن أن يتم بتعويد الطفل على سلوكيات خلقية معينة، لا محيد عنها، ومتابعته في ذلك دون إنقطاع، مع تعزيز السلوك الحسن من الطفل بالثناء والهدية، والتأكيد على ضرورة ثبات القدوة في نهجها دون نكوث أو رجوع.

ومع كل ذلك لا ينبغي للأمهات المربيات أن يكنّ شديدات الحساسية تجاه أخطاء أولادهن أمام الآخرين، فتحرص إحداهن غاية الحرص على أن تظهر أولادها أفضل سلوكاً من غيرهم، وتتحرّج غاية الحرج من أخطائهم أمام الناس، وهذا -كما تقدم- أمر صعب مع الطبيعة الإنسانية، ومع ذلك فإن هذا حسن إن قصدت الأم به حث الأخريات على الإقتداء بها في أخذها بمنهج التربية الإسلامية، إلا أن الخطر يدخل عليها إن أرادت رياء أو سمعة، حين تقصد إلى مدح الناس على حسن تربيتها لأولادها، وحسن أدبهم في المجالس العامة.

هذا والله تعالى الموفق

المصدر: موقع رسالة المرأة.